فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (80):

قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نفى عللهم في التخلف عن طاعته إلى أن ختم بالشهادة برسالته؛ قال مرغبًا مرهبًا على وجه عام يسكن قلبه، ويخفف من دوام عصيانهم له، دالًا على عصمته في جميع حركاته وسكناته: {من يطع الرسول} أي كما هو مقتضى حاله {فقد أطاع الله} الملك الأعظم الذي لا كفوء له، لأنه داع إليه، وهو لا ينطق عن الهوى، إنما يخبر بما يوحيه إليه {ومن تولى} أي عن طاعته.
ولما كان التقدير: فإنما عصى الله.
والله سبحانه وتعالى عالم به وقادر عليه، فلو راد لرده ولو شاء لأهلكه بطغيانه، فاتركه وذاك! عبر عن ذلك كله بقوله: {فما أرسلناك} أي بعظمتنا {عليهم حفيظًا} إنما أرسلناك داعيًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

والمعنى أن من أطاع الرسول لكونه رسولا مبلغا إلى الخلق أحكام الله فهو في الحقيقة ما أطاع إلا الله، وذلك في الحقيقة لا يكون إلا بتوفيق الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا، فإن من أعماه الله عن الرشد وأضله عن الطريق، فإن أحدًا من الخلق لا يقدر على إرشاده.
واعلم أن من أنار الله قلبه بنور الهداية قطع بأن الأمر كما ذكرنا، فإنك ترى الدليل الواحد تعرضه على شخصين في مجلس واحد، ثم إن أحدهما يزداد إيمانًا على إيمان عند سماعه، والآخر يزداد كفرًا على كفر عند سماعه، ولو أن المحب لذلك الكلام أراد أن يخرج عن قلبه حب ذلك الكلام واعتقاد صحته لم يقدر عليه، ولو أن المبغض له أراد أن يخرج عن قلبه بغض ذلك الكلام واعتقاد فساده لم يقدر، ثم بعد أيام ربما انقلب المحب مبغضا والمبغض محبًا، فمن تأمل للبرهان القاطع الذي ذكرناه في أنه لابد من إسناد جميع الممكنات إلى واجب الوجود، ثم اعتبر من نفسه الاستقراء الذي ذكرناه، ثم لم يقطع بأن الكل بقضاء الله وقدره، فليجعل واقعته من أدل الدلائل على أنه لا تحصل الهداية إلا بخلق الله من جهة أن مع العلم بمثل هذا الدليل، ومع العلم بمثل هذا الاستقراء لما لم يحصل في قلبه هذا الاعتقاد، عرف أنه ليس ذلك إلا بأن الله صده عنه ومنعه منه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {منْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله}
أعلم الله تعالى أن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعةٌ له.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن يَعْصِني فقد عصى الله ومن يُطع الأمير فقد أطاعني ومن يَعْصِ الأمير فقد عصاني» في رواية: «ومن أطاع أميري، ومن عصى أميري». اهـ.

.قال ابن كثير:

يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، وما ذاك إلا لأنه ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني».
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، عن الأعمش به.
وقوله: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أي: لا عليك منه، إن عليك إلا البلاغ فمن تَبِعك سَعِد ونجا، وكان لك من الأجر نظير ما حصل له، ومن تولى عنك خاب وخسر، وليس عليك من أمره شيء، كما جاء في الحديث: «من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه». اهـ.

.قال الألوسي:

{مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} بيان لأحكام رسالته صلى الله عليه وسلم إثر بيان تحققها، وإنما كان كذلك لأن الآمر والناهي في الحقيقة هو الحق سبحانه، والرسول إنما هو مبلغ للأمر والنهي فليس الطاعة له بالذات إنما هي لمن بلغ عنه.
وفي بعض الآثار عن مقاتل «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: من أحبني فقد أحب الله تعالى ومن أطاعني فقد أطاع الله تعالى فقال المنافقون: ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل لقد قارف الشرك، وهو نهى أن يعبد غير الله تعالى ما يريد إلا أن نتخذه ربًا كما اتخذت النصارى عيسى عليه السلام؟ فنزلت» فالمراد بالرسول نبينا صلى الله عليه وسلم، والتعبير عنه بذلك ووضعه موضع المضمر للإشعار بالعلية، وقيل: المراد به الجنس ويدخل فيه نبينا صلى الله عليه وسلم دخولًا أوليًا، ويأباه تخصيص الخطاب في قوله تعالى: {وَمَن تولى فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} وجعله من باب الخطاب لغير معين خلاف الظاهر. اهـ.

.قال أبو السعود:

والتعبيرُ عنه عليه الصلاة والسلام بالرسول دون الخطابِ للإيذان بأن مناطَ كونِ طاعتِه عليه الصلاة والسلام طاعةً له تعالى ليس خصوصيةَ ذاتِه عليه الصلاة والسلام بل من حيثية رسالتِه، وإظهارُ الجلالةِ لتربية المهابةِ وتأكيدِ وجوبِ الطاعةِ بذكر عنوانِ الألوهيةِ. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} من أقوى الدلائل على أنه معصوم في جميع الأوامر والنواهي وفي كل ما يبلغه عن الله، لأنه لو أخطأ في شيء منها لم تكن طاعته طاعة الله وأيضا وجب أن يكون معصوما في جميع أفعاله، لأنه تعالى أمر بمتابعته في قوله: {واتبعوه} [الأعراف: 158] والمتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير لأجل أنه فعل ذلك الغير، فكان الآتي بمثل ذلك الفعل مطيعًا لله في قوله: {واتبعوه} فثبت أن الانقياد له في جميع أقواله وفي جميع أفعاله، إلا ما خصه الدليل، طاعة لله وانقياد لحكم الله. اهـ.
قال الفخر:
قال الشافعي رضي الله عنه في كتاب الرسالة في باب فرض الطاعة للرسول: إن قوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} يدل على أن كل تكليف كلف الله به عباده في باب الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر الأبواب في القرآن، ولم يكن ذلك التكليف مبينا في القرآن، فحينئذ لا سبيل لنا إلى القيام بتلك التكاليف إلا ببيان الرسول، وإذا كان الأمر كذلك لزم القول بأن طاعة الرسول عين طاعة الله، هذا معنى كلام الشافعي. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} يدل على أنه لا طاعة إلا لله ألبتة، وذلك لأن طاعة الرسول لكونه رسولا فيما هو فيه رسول لا تكون إلا طاعة لله، فكانت الآية دالة على أنه لا طاعة لأحد إلا لله.
قال مقاتل في هذه الآية: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله» فقال المنافقون: لقد قارب هذا الرجل الشرك وهو أن ينهي أن نعبد غير الله، ويريد أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى، فأنزل الله هذه الآية.
واعلم أنا بينا كيفية دلالة الآية على أنه لا طاعة ألبتة للرسول، وإنما الطاعة لله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَن تولى} أي أعرض.
{فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أي حافظًا ورقيبًا لأعمالهم، إنما عليك البلاغ.
وقال القُتَبيّ: محاسبًا؛ فنسخ الله هذا بآية السيف وأمره بقتال من خالف الله ورسوله. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله: {وَمَن تولى فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} ففيه قولان:
أحدهما: أن المراد من التولي هو التولي بالقلب، يعني يا محمد حكمك على الظواهر، أما البواطن فلا تتعرض لها.
والثاني: أن المراد به التولي بالظاهر، ثم هاهنا ففي قوله: {فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} قولان:
الأول: معناه فلا ينبغي أن تغتم بسبب ذلك التولي وأن تحزن، فما أرسلناك لتحفظ الناس عن المعاصي، والسبب في ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يشتد حزنه بسبب كفرهم وإعراضهم، فالله تعالى ذكر هذا الكلام تسلية له عليه الصلاة والسلام عن ذلك الحزن.
الثاني: أن المعنى فما أرسلناك لتشتغل بزجرهم عن ذلك التولي وهو كقوله: {لا إِكْرَاهَ في الدين} [البقرة: 256] ثم نسخ هذا بعده بآية الجهاد. اهـ.

.قال الألوسي:

{مِنْ} شرطية وجواب الشرط محذوف، والمذكور تعليل له قائم مقامه أي ومن أعرض عن الطاعة فأعرض عنه لأنا إنما أرسلناك رسولًا مبلغًا لا حفيظًا مهيمنًا تحفظ أعمالهم عليهم وتحاسبهم عليها، ونفي كما قيل كونه حفيظًا أي مبالغًا في الحفظ دون كونه حافظًا لأن الرسالة لا تنفك عن الحفظ لأن تبليغ الأحكام نوع حفظ عن المعاصي والآثام، وانتصاب الوصف على الحالية من الكاف، وجعله مفعولًا ثانيًا لأرسلنا لتضمينه معنى جعلنا مما لا حاجة إليه، و{عَلَيْهِمْ} متعلق به وقدم رعاية للفاصلة، وفي إفراد ضمير الرفع وجمع ضمير الجر مراعاة للفظ من ومعناها، وفي العدول عن ومن تولى فقد عصاه الظاهر في المقابلة إلى ما ذكر ما لا يخفى من المبالغة. اهـ.

.قال ابن عطية:

وهذه الآية تقتضي الإعراض عن من تولى والترك له، وهي قبل نزول القتال وإنما كانت توطئة ورفقًا من الله تعالى حتى يستحكم أمر الإسلام. اهـ.

.قال الثعلبي:

وفي قوله: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} دليل على إبطال قول من زعم أنّ السنّة تعرُض على الكتاب لم يعمل بها وذلك أن كل ما نص الله عز وجل، عليه فإنّما صار فرضًا بالكتاب، فإذا عدم النص من الكتاب، وورد به السنّة فوجب اتباعها، ومن خالفها فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خالف رسول الله فقد خالف الله، لأن في طاعة الرسول طاعة الله، فمن زعم أنه لم يقبل خبره إلاّ بعد أن يعرض على كتاب الله، فقد أبطل كلّ حكم ورد عنه ما لم ينصّ عليه الكتاب.
وأما قوله: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} ففيه دليل على أنّ من لم يعتقد الطاعة فليس بمطيع على الحقيقة، وذلك أن الله تعالى لمّا تحقّق طاعتهم فيما أظهروه، فقال: ويقولون ذلك لأنّه لو كان للطاعة حقيقة إلاّ بالاعتقاد لحكم لهم بها (فثبت) أنه لا يكون المطيع مطيعًا، إلاّ باعتقاد الطاعة مع وجودها. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}
هذه الآية تشير إلى الجَمْع لحال الرسول- صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه طاعته طاعتنا، فمن تقرَّبَ منه تقرَّبَ منا، ومقبولُه مقبولُنا، ومردودُه مردودنا. اهـ.

.من فوائد السعدي في الآية:

قال رحمه الله:
كل مَنْ أطاع رسول الله في أوامره ونواهيه {فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} تعالى لكونه لا يأمر ولا ينهى إلا بأمر الله وشرعه ووحيه وتنزيله، وفي هذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله أمر بطاعته مطلقا، فلولا أنه معصوم في كل ما يُبَلِّغ عن الله لم يأمر بطاعته مطلقا، ويمدح على ذلك. وهذا من الحقوق المشتركة فإن الحقوق ثلاثة:
حق لله تعالى لا يكون لأحد من الخلق، وهو عبادة الله والرغبة إليه، وتوابع ذلك.
وقسم مختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير والنصرة.
وقسم مشترك، وهو الإيمان بالله ورسوله ومحبتهما وطاعتهما، كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} فمَنْ أطاع الرسول فقد أطاع الله، وله من الثواب والخير ما رتب على طاعة الله {وَمَنْ تَوَلَّى} عن طاعة الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئًا {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أي: تحفظ أعمالهم وأحوالهم، بل أرسلناك مبلغا ومبينا وناصحا، وقد أديت وظيفتك، ووجب أجرك على الله، سواء اهتدوا أم لم يهتدوا. كما قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} الآيات.
ولابد أن تكون طاعة الله ورسوله ظاهرًا وباطنًا في الحضرة والمغيب فأما مَنْ يظهر في الحضرة والطاعة والالتزام فإذا خلا بنفسه أو أبناء جنسه ترك الطاعة وأقبل على ضدها فإن الطاعة التي أظهرها غير نافعة ولا مفيدة وقد أشبه من قال الله فيهم {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ...} الآية. اهـ.